فقوله: { عبده } يدفع بذلك جانب الذين يغلون في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويجعلونه إلهاً من دون الله.
سبحان الله!! رسول التوحيد وداعية التوحيد وعدو الشرك الأكبر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الذي جاهد المشركين بلسانه وبيده وبسيفه، والذي كل دعوته في توحيد الله, وكل ما جاء به من شرع مرتبط بتوحيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، يأتي بعض من يدعي أنه من أمته, فيغلو فيه, ويجعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منزلة الألوهية!
وهذا كثير كما ذكر الشيخ، فلم يجعله عبداً لله, بل جعله نداً وإلهاً مع الله، تعالى الله عما يصفون. ثم يقولون: نحن نحب الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن حبهم هذا يكون بجعله شريكاً لله عز وجل.
فمنهم من يقـول: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعـلم الغيب كله, أي: مطلع على الغيب -تعالى الله عما يشركون- وهذا باطل بنص كتاب الله: ((وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ)) [الأنعام:59] سبحان الله! عنده مفاتح الغيب ولا يعلمها إلا هو، ويقول عن نبيه: ((وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ))[الأنعام:50] ((وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ))[الأعراف:188].
فرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعلم الغيب, وقد ضلت ناقته, فقال المنافقون المستهزئون الساخرون: هذا محمد، يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء ضاعت ناقته وما وجدها، فلما أوحى الله إليه من السماء، قال: {إن أناساً قالوا كذا وكذا، وقد أخبرني الله تعالى بموضعها، وإني لا أعلم الغيب إلا أن يطلعني الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليه } ((إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ)) [الجن:27].
فالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يقال فيه: إنه يعلم الغيب, فهو لا يعلمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ولا يعلم الغيب أحد إلا الله, ولكن الله تعالى يظهر ويطلع بعض خلقـه على شيء من أمور الغيب, لحكمـة له سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وآيات لرسله صلوات الله وسلامه عليهم.
ومن الناس من يجعلون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شريكاً ونداً لله في الدعاء والعبادة، فيقولون: يا محمد! يا رسول الله! يا نبي الله! فيكون قد دعا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والله تعالى يقول: ((وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً))[الجن:18] ويقول: ((قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً))[الجن:20] ويقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الدعاء هو العبادة} ويقول تعالى: ((وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)) [غافر:60].
فالذي يدعو غير الله يكون قد عبد غير الله, وأشرك به، وإن قال يا محمد! أو يا جبريل! أو يا علي! أو يا حسين -كما يقول الروافض قبحهم الله- فهذا شرك, وهذا دعاء لغير الله, وهو من الشرك الأكبر -نسأل الله العفو والعافية-.
وإنما ندعو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فمن دعا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أو استغاث به, أو استجار به, أو أعطاه شيئاً من خصائص الألوهية, فهذا لم يراع أنه عبد الله، بل جعله نده وشريكه، وما أكثر من قالوا بذلك.
ولكن -والحمد لله- قد انتشر في أماكن كثيرة, وظهر على أيدي كثير من الدعاة أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعطى شيئاً من خصائص الألوهية أو الربوبية, وإنما هو عبد لله على ما ذكرنا.